الكاتبة ـ مريم سليمان الجهني .
هناك من ما يزال يظن أن جهده وذكاءه وحدهما يمسكان زمام حياته؛
يبني أركانه على القوة ثم التفكير ثم التنفيذ، ناسياً أن الروح لا تُساق بالحيلة، وأن الخطوات الصغيرة والكبيرة تسير فوق قدرٍ مكتوب، فقد قال تعالى:
﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾.
ولن نتعلم أن السعادة والرزق وتدبير الأمور ليست حسابات بشر، بل أوامر كتبت في سبع سماوات، وأن الغد صفحة لم تُفتح بعد، دلّ عليها قوله تعالى:
﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ﴾.
لسنا نقول لا تحلم، ولا ترفع سقف توقعاتك، ولا تطلب المستحيل…
بل احمل قلبك باليقين، واعلم أن الله يرزق من يشاء بغير حساب:
﴿ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾.
وتمضي الحياة…
لا نشبه بعضنا، ولا تتقاطع أمنياتنا إلا قليلًا.
منا من يحلم بمناصب ومراتب،
ومنا من يبحث عن لقمة تستر يومه؛
منا من يريد جمال النسب والمال،
ومنا من يريد جمال الروح والعقل.
وهناك امرأة تبحث عن القصور والسفر والحياة المترفة، فهي تطمح لكل ما يلمع في العيون ويثير الإعجاب، ولا يهمها سوى امتلاك الكمال الخارجي.
وعلى النقيض، هناك امرأة أخرى لا تريد المال ولا القصر ولا السفر، فقط حبًا صادقًا وبيتًا صغيرًا يجمع قلبين تألفا من أول نظرة؛
تلك تعلم أن السعادة الحقيقية ليست بالمظاهر، بل بالروح والصدق والطمأنينة.
اختلفت الهموم، واختلفت الأحلام، ولكن اللطف الإلهي لم يزل يحيط بالجميع؛
فالله قال:
﴿ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾.
وهناك من طال عليه ليل الظلم، وكادت العتمة أن تلتهم أيامه،
ولكن بعد طول الليل، يأتي الفجر المشرق، وهمس القرآن يملأ قلبه:
﴿ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾…
ليعلم أن بعد كل ظلمة، ينكشف النور، وأن الصبر يولد الفرج.
وهناك من ظَلَم وبغى، وظن أنّ الله غافل عنه، فجاء الرد قاطعًا:
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ﴾.
وهناك قلوب تنتظر العوض بشغف ويقين، وقد بشّرها الله بقوله:
﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾.
وتأتي قصة الخضر وسيدنا موسى عليه السلام لتعلّمنا الدرس الذي لا يتقنه البشر:
أن ما نراه شرًا قد يكون عين الخير، وأن التدبير الخفي هو أجمل شؤون الله في خلقه.
فقتل الغلام كان صدمة، وموسى عليه السلام لم يحتمل ظاهر الفعل…
لكن الخضر قالها كلمة أغلقت باب التساؤل:
﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾.
كل شيء كان لحكمة مخبوءة… وهكذا الله يدبّر أقدارنا: خيرٌ لا نراه إلا في وقته.
ليس لأنكِ عزباء توقفت الحياة…
قد يكون التأخير حفظًا، وقد يكون النصيب في طريقه إليك، فقط يمشي ببطء يناسب حكمته.
وليس لأن ابنكِ قد توفّى ضاقت عليكِ الأيام…
فالفقد ليس نهاية، بل حكمة خفية، كما في قصة الغلام حين بدا الفعل شرًا وهو عين الرحمة.
قد يرفع الله روحًا صغيرة لتسكن الجنة بلا حساب، وقد يمنع عنكِ حزنًا أكبر لا تعلمينه.
إنه لطفٌ لا يُرى إلا باليقين.
وليس لأنكِ عقيم انتهى الرجاء…
فزكريا عليه السلام دعا وهو شيخ، وزوجه عاقر، ومع ذلك قال الله:
﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ﴾
لتعلمي أن المعجزات تأتي لمن صبر ودعا وثبت.
وليس لأنكِ بلا وظيفة ضاع رزقك…
فالسماء لا تُغلق، والله وعد:
﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾.
فلا أحد يأخذ أكثر مما كتب له؛
قال تعالى:
﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾.
والرزق ليس مالاً فقط؛
الأرواح التي تحبك رزق،
والأولاد رزق،
والصحة رزق،
وحتى راحة البال رزق.
وبعض الناس يملك كل شيء ويفقد النوم وطمأنينة الروح،
وبعضهم لا يملك إلا القليل، وينام مفترشًا الرضا، ويتغطى بالشكر… وقلبه أوسع من الدنيا.
فالطمأنينة ليست في الأرصدة، بل في قوله تعالى:
﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾.
وفي النهاية…
يبقى الصبر دعامة الروح،
والدعاء سلاح النجاة،
والرضا مجداف يقودنا عبر بحر الأمنيات،
حتى نلتقط من عمقه لآلئ القدر حين يحين موعدها المرسوم…
ما بين السعي والقدر… تتكلم السماء .
صحيفة إضاءات الشرقية الإلكترونية

.jpg)
.jpg)
.jpg)

.jpg)
.jpg)

.jpg)



.jpg)


.jpg)












.jpg)

.jpg)



