سلسلة ضبط النفس بالنفيس
تأمّلات في مغْزى الآيات، بمنظور اجتماعي!
الدكتور / صديق بن صالح فارسي
الآيات 04 - 05 سورة القمر ، اللقاء، (02)
(وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّنَ الْأَنبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ۖ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ).
الأنباء: جمع نبأ وهو الخبر المشتمل على أمور هامة من شأنها أن يتأثر بها السامع. ومزدجر : من الزجر، بمعنى المنع والانتهار . أى: قد جاء لهذه الأمة فى القرآن الكريم، من الأنباء عن مصير المكذبين والمعاندين من الأمم السابقة، ومن المعجزات والآيات البينات ما هو أشد حجة من انشقاق القمر، (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ). (حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ) والحكمة: إتقان الفهم وإصابة العقل، والمراد هنا الكلام الذي يتضمن الحكمة ويفيد بالأمر المحكم، وبَالِغَةٌ: أي جمَّة عظيمة، قد بلغت أقصى درجات الاعتناء والاهتمام والأثر والتأكيد والحجج. (فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ)، و"ما " تفيد النفي أي: ليست تغني عنهم النذر، كما أنها استفهامية بمعنى التوبيخ، أي : فأي شيء تغني النذر عنهم وهم معرضون عنها، (فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا ۚ وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ ۚ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ). والنُّذُرُ: أي: رُسل الله عليهم الصلاة والسلام، وآيات الله القرآنية والكونية والتكوينية، والدعاة والناصحون والمربون وغيرهم ممن يأمرون الناس بالمعروف وينهون عن المنكر، (وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ). ويقال: "أَعْذَرَ مَنْ أَنْذَرَ" أي مَنْ حَذَّرَك مما يحلُّ بك فقد أعذر إليك، وهذا مثل شائع قديم، وهو من الكلام البليغ، وقد يضاف إليه جملة أخرى فيقال: "أعذر من أنذر وأنصف من حذّر"، ومعناه أن من أنذر وحذر فإنه بذلك الإنذار والتحذير لم يترك عذراً لمن قد أنذره وحذره، ومن هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أعذر اللهُ إلى امرئٍ أخَّر أجلَه حتى بلغ ستينَ سنةً) أي: لم يترك له عذراً، بل قد بالغ في عدله وإنصافه سبحانه!
صحيفة إضاءات الشرقية الإلكترونية