هنا خطى النبي… جولة في الآثار النبوية المكانية كما لم تعرفها من قبل
السبت 6 شوال 1446هـ – الموافق 5 أبريل 2025م
بقلم: عبدالله عبدالهادي بخاري
مقدمة المرشد:
أهلاً بك أيها الزائر الكريم…
أنت الآن لا تزور حجارة ولا أطلالًا، بل تمشي في أرضٍ مشت عليها أقدام النبوة، وسكنت فيها الوحي، وارتفعت منها تكبيراتٌ غيّرت وجه التاريخ.
في هذه الجولة، لن أقول لك: “هنا قيل إنه…”، بل سأحملك ما بين الروايات الثابتة، والنقول المحققة، والاجتهادات المدروسة، لتُبصر معي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في مواضعها، وتسمع نداء البدر في دروب المدينة.
لكن تذكر…
لسنا هنا لنغلو، ولا لنُنكر، بل لنفهم… بعين المحبة، وعقل التحقيق.
⸻
ما المقصود بالآثار النبوية المكانية؟
هي المواضع التي ثبت أو غلب على الظن أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بها، أو أقام فيها، أو وقعت فيها أحداث من سيرته.
تتنوع بين:
• مواضع عبادة (مساجد، مواقيت).
• مواضع إقامة ومعيشة (دور الصحابة، الأسواق).
• مواقع معارك وغزوات.
• آبار ومنازل قبائل، وطرقات سلكها.
⸻
ما أهمية هذه المواضع؟ ولماذا نُعنى بها؟
1. إيمانيًا: لأنها تُحيي في القلب محبة النبي صلى الله عليه وسلم، وتوقظ الشوق لسيرته.
2. علميًا: تساعد على فهم النصوص بعمق عند إسقاطها على الواقع الجغرافي.
3. تاريخيًا: تبرهن على الامتداد المكاني للدعوة وتوسعها في أرض الواقع.
4. تربويًا: تجعل السيرة النبوية واقعية معيشة، لا نصوصًا جامدة.
⸻
هل كل موضع يُقال عنه “هنا مر النبي” هو مؤكد؟
الجواب ببساطة: لا.
هناك فرق واضح بين:
• ما هو ثابت بالتواتر أو النص الصحيح: مثل المسجد النبوي، ومسجد قباء، ومسجد الجمعة، وجبل أحد.
• وما هو مستند إلى اجتهادات ونقول مختلفة: مثل مواضع بئر غرس، ومنازل الصحابة، أو تفاصيل دقيقة في مواقع الغزوات.
كمرشد، أقول للزائر:
ثق بما ثبت، وتأمل فيما رُوي، ولا تغلو في ما لم يُقطع به.
⸻
هل يحق لي إنكار قول آخر في تحديد موقع؟
لا، فالمواضع الظنية لا يُنكر فيها المخالف.
بل يُحاور ويُناظر، ويُناقش رأيه بالأدب العلمي.
ومن قال بموضع لم يُسبق إليه، واحتج بدليل معتبر، فله أن يُسمع ويُناقش، لا أن يُرد لمجرد مخالفته المشهور.
قال أهل العلم:
“القول في الآثار المكانية ما كان ظنيًا، فهو محطُّ اجتهاد، لا قطع ولا إنكار فيه.”
⸻
الطريقة المثلى للتعامل مع الآثار النبوية:
1. الإثبات العلمي لا العاطفي: نربط الروايات بالنصوص وبالواقع الجغرافي والتحقيق التاريخي.
2. تجنّب البدع والغلو: لا نجعل من زيارتها طقوسًا لا أصل لها.
3. التعامل بأدب علمي: نُقدر كل اجتهاد مبني على أساس علمي.
4. إدخال عنصر القبائل والجغرافيا القديمة: لفهم توزيع المواقع وربطها بسياقها.
⸻
دور القبائل في تحديد المواضع:
المدينة المنورة لم تكن فقط جغرافيا، بل شبكة قبلية دقيقة:
• بنو سلمة كانوا في ثنية الوداع الغربية، وجبلهم لا يزال يُعرف اليوم.
• بنو حارثة في أطراف الحرة الشمالية.
• بنو عبد الأشهل في الجهة الشرقية، وهناك كانت منازلهم ومساجدهم.
معرفة هذه القبائل وأماكنها، يساعدنا على تحديد مواقع الغزوات، والمبيت، والتحرك بدقة.
فلا يمكن أن نقول: “هنا مر النبي”، ما لم نعرف من كان يسكن “هنا”.
⸻
لكن لو جاءني أحد وقال: اكتشفت موضعًا أثريًا جديدًا… ماذا أفعل؟
• لا أُسارع بالتصديق ولا بالإنكار.
• أطلب الدليل، وأنظر: هل اعتمد على تحقيق لغوي؟ جغرافي؟ روايات تاريخية؟
• ثم أوازن بينه وبين ما سبق من أقوال العلماء والمحققين.
العبرة بالدليل لا بالأقدمية، وبالتحقيق لا بالعاطفة.
⸻
الخاتمة:
أيها الزائر…
أنت الآن في مدينةٍ لم يُرفع فيها حجر إلا وفيه أثر، ولم يُذكر فيها موقع إلا وارتبط بسيرة.
لكن اعلم، أن التعامل مع الآثار النبوية ليس بعين العاطفة فقط، ولا بسيف الإنكار، بل بعين توقّر، وعقل يتحقق.
فهذه المواضع لا تزيد إيمانك بزيارتها، إن لم تكن عرفت قدرها، ولا يُنقصك الجهل بموقع، ما دمت عرفت صاحب الأثر وعملت بسنته.
صحيفة إضاءات الشرقية الإلكترونية