الصداقة مع البيئة… من رؤية محمد صلّى الله عليه وسلّم إلى مبادرة السعودية الخضراء ????
✍️ بقلم: المرشد السياحي والكاتب الصحفي عبدالله عبدالهادي بخاري
???? الإثنين 24 / 2 / 1447هـ الموافق 18 / 8 / 2025م
مقدمة
“الصداقة مع البيئة تبدأ من احترامها وحمايتها، لأنها جزءٌ منّا، وما نقدمه لها اليوم ينعكس على مستقبلنا”. هذه العبارة ليست شعارًا بيئيًا معاصرًا وحسب، بل هي امتداد لفكر حضاري أصيل أرسته الرسالات السماوية، وأعلنه إبراهيم عليه السلام في مكة بلدًا آمنًا، ورسّخه محمد صلّى الله عليه وسلّم في المدينة حرمًا محميًا. واليوم تتجلى هذه القيم العريقة في رؤية المملكة العربية السعودية من خلال مبادرتها العملاقة “السعودية الخضراء”، التي تنقل هذه المبادئ من التنظير إلى التطبيق العملي.
الجذور النبوية للمبدأ
قبل أن يظهر مصطلح “المحميات الطبيعية” في القوانين الدولية، أعلن محمد صلّى الله عليه وسلّم حرمة المدينة كما حرّم إبراهيم عليه السلام مكة، محددًا حدودًا جغرافية تُصان فيها الأشجار والحيوانات والطيور، وتُحمى من أي اعتداء. كما قال صلّى الله عليه وسلّم:
• ???? «ما من مسلم يغرس غرسًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة» (متفق عليه).
• ???? «لقد رأيت رجلًا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين» (رواه مسلم).
• ???? «ما هذا السرف يا سعد؟» … «نعم، وإن كنت على نهر جار» (رواه ابن ماجه).
هذه الأحاديث تجعل من حماية البيئة عبادة وقربة إلى الله، ومن الإفساد فيها جريمة أخلاقية وشرعية.
السعودية الخضراء… ترجمة عملية للمقولة
تأتي مبادرة السعودية الخضراء التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتكون تجسيدًا معاصرًا لهذه القيم. فهي تقوم على ثلاث ركائز محورية:
1. زراعة 10 مليارات شجرة داخل المملكة، وزيادة الرقعة الخضراء بما يغير وجه الطبيعة السعودية ويحوّلها إلى واحة تنبض بالحياة.
2. حماية التنوع البيئي واستحداث المحميات الطبيعية، لتكون امتدادًا عمليًا لحِمى المدينة وحرم مكة، حيث تُصان الحياة البرية وتُحفظ التوازنات الطبيعية.
3. خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 60% عبر مشروعات الطاقة المتجددة، ما يربط بين التنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية.
إنها رؤية تجعل المملكة نموذجًا عالميًا للتوازن بين الطموح التنموي والالتزام البيئي، وتعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والطبيعة على أسس من الاحترام المتبادل والحماية المستمرة.
لا تترك أثر… من السنّة إلى الممارسة
من جوهر هذه المبادئ ينبثق شعار عالمي هو “لا تترك أثر – Leave No Trace”، الذي يحث على ترك المكان كما وجدناه أو أفضل. وهو مبدأ سبق إليه الإسلام حين نهى محمد صلّى الله عليه وسلّم عن تلويث الموارد وإفساد الطرقات.
واليوم، يحرص فريق هايكنج دار الهجرة بالمدينة المنورة على نشر هذا الوعي في رحلاته الميدانية ومشاركاته المجتمعية، ليؤكد أن حماية البيئة ليست مسؤولية الدولة فقط، بل هي ثقافة يشارك فيها الفرد والمجتمع.
قراءة تحليلية
من مكة والمدينة بدأت أولى محميات التاريخ، حيث صان إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام الطبيعة كحق مشترك للإنسانية. واليوم، تواصل المملكة العربية السعودية هذا الإرث في ثوب حديث عبر “السعودية الخضراء”، مؤكدة أن التنمية لا تكون عظيمة إلا إذا كانت خضراء، وأن الاستثمار الحقيقي هو في الأرض والمستقبل.
خاتمة
المقولة “الصداقة مع البيئة تبدأ من احترامها وحمايتها” تجد صداها في سنّة محمد صلّى الله عليه وسلّم وتطبيقها في مبادرة السعودية الخضراء. ما بين الأمس واليوم، تبقى الرسالة واحدة: لنحترم بيئتنا اليوم، لنصنع غدًا أخضر أعظم، فالمستقبل لا يُورّث بالكلمات، بل يُصنع بالأفعال.
صحيفة إضاءات الشرقية الإلكترونية