عمر طاهر زيلع يكتب عن أيام عمير
الكاتب / عمر طاهر زيلع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عمير كان يجوب شوارع المدينة طولا وعرضاُ من دون كلل ويمشي متعجلا وعيناه تتفحصان الأرض كما لوكان يبحث عن شيء فقده للتو، ويمكن القول أيضآ: كأنه موعود بكنز خبيء في مكانٍ ما في طريقه . يبدو وكأنه يحدث نفسه ومن كان قريباُ منه يعتقد أنه يعنيه شخصياً ، بعضهم يتخطاه بتجاهل،وبعضهم يدخل معه في شجار! . غالباً تراه يمضغ شيئاً بتلذذ وابتهاج..ويطيل الوقوف أمام باب الشيخ : لاسيما وقت وجبة الغداء؛ يخرج أحد أبناء الشيخ يناوله طبقاً من وجبتهم اليومية وفور انتهائه من التهامها يدرج يده في جيبه المتسخ ويحشو فمه ويمضغ. في تلك اللحظة خرج الشيخ يرافق ضيفاً عزيزاُ عقب وجبة الغداء، كانا في طريقهما لصلاة العصر :-
- السلام عليكم.. ثم التفت الضيف إلى مضيفه وأشار إلى الرجل وهو يلوك منتعشاً في ثيابه الرثة:-
- من هذا ..وماذا يمضغ؟
- عيسى !!
وضع الشيخ كفه على فمه يغالب ضحكة كادت تفلت منه. تحرج الضيف وهو يلتفت بقوة إلى مضيفه مستفسرأً تعلوجهه سحابة من الغيظ. أسرع به الشيخ والضحكة القاهرة تتعصى عليه. ابتعدا قليلا والضيف يلح في معرفة ماقصده الرجل الغامض. قال الشيخ وهو يصارع ضحكته:-
- عيسى تعني عند بعض العامة : الشخص الفضولي الذي يتدخل فيما لايعنيه!! "تحتاج إلى باحث ماهر يتتبع قصتها واستدرك: -
- فقير وبهلول؛ كلنا مانؤاخذه.."
انطلقت قهقهة صاخبة من فم الضيف سمعها المارة والتفتوا.. لكن الضيف ندم على خروجه عن صرامته، وتراجع بحيث يسمعه الرجل:-
- تستحق السجن..
" خُذها يامظلوم!!. وواصل مشيته بالقرب منهمابطريقته المتعجلة. توقف الشيخان عند مدخل المسجد لاستعادة وقارهما ودخلا..
هو يذرع شوارع المدينة التي كانت محدودة ومطروقة بكثافة أيامها. كان شارع الجمالة أحبها اليه، ويفضي إلى مصبغة الغامدي على اليمين ومسجد( الثميري) على اليسار ، ثم مفترق طريقين: اليمنى إلى السوق الداخلي واليسرى كانت سابقاًتسلكها الجمال إلى( المحناط ) وتخترق بيوتا قديمة كانت حاشية الإدارسة وبعض افرادهم يسكنونها وكان السنوسي وبن غريب وكيلين عليها . الرجل الغامض واصل يمينا إلى( السوق الداخلي) ؛ قلب المدينة النابض وكان يتمتم كلما دخله:-
-" واحد يشقى وواحد يلقى...وانت ياعمير لاتشقى ولاتلقى .. لكن رزق الهبل على المجانين " ، انعطف باتجاه دكان حمادي وكان دائماً يقولون: "دكان حمادي سوق صغير؛ فيه كل شيء " ولايخلو بابه من صبيان يلهون هناك ومن في جيبه قرش منهم يشتري نعنع أبيض. ظهر عمير فصاحوا: " جاكم الهبل "، يبتسم ويهمس : " الجُهّال مالهم حاكم " ويتوغل في ممرات
السوق، متجاهلا سخريات صبيان المحلات.
تعب فجثا بالقرب من محل صاحب المطبق وحين رُفع أذان المغرب ذهب المطبقاني لأداء الصلاة في مسجد( الخضير) كما اعتاد. كان الصاج عامرا بالزلابية. تلفت عمير واقترب من الصاج وأخذ يزدرد بشهيةجمل، كان في الجوار موقد سالم يعلوه براد الشاهي الشهير..ملأ كوبا وعاد إلى الزلابية؛ يأكل ويحتسي بالشاهي. أقبل درويش وعمير على تلك الحالة. وقف مشدوهاً:-
- ألاتستحي..تنهب حق الناس يا هبل! . مسح يديه في قميصه المتسخ قائلاً:
- " قليل الحيا مستريح "!!.
ضحك سالم وأقبل يملأ كوب عمير من جديد ويحاول تهدئة درويش : - " ما على المجنون من حرج". ابتسم عمير -وتمتم: " كحلها اعماها،،" !!.
- سامحني ياعمير!.
- " المشكلة: لاعاقل ولامجنون " ونهض مسرعا لا أحد يدري إلى أين؟.
صحيفة إضاءات الشرقية الإلكترونية