تعبت النفس من القيل والقال… دع الناس للخالق
✍️ الإعلامي خضران الزهراني
في زحمة الحياة اليومية، وفي عالم يموج بالأصوات والأحاديث، يجد المرء نفسه محاطاً بكمٍّ هائل من "القيل والقال". كلمات تتناقلها الألسن هنا وهناك، لا تسمن ولا تغني من جوع، بل تجرح وتُثقل كاهل النفس حتى تُرهقها. ما أكثر ما تُتداول الأخبار والإشاعات، وما أقل ما يُبحث عن الحقيقة أو يُراعى في القول أثره على النفوس. هنا يقف الإنسان متسائلاً: إلى متى نستنزف أعمارنا في الكلام عن الناس، ونترك أنفسنا وأعمالنا بين يدي الله دون إصلاح أو مراجعة؟
إن القيل والقال مرض اجتماعي قديم قِدم الإنسان نفسه، فالألسنة لا تهدأ والعيون لا تكف عن المراقبة. غير أن أخطر ما فيه أنه يزرع الشحناء والبغضاء بين القلوب، ويقطع أواصر المحبة والألفة التي أمرنا بها الخالق سبحانه وتعالى. ولعل أعظم ما يوجع النفس أن تجد من يقضي جل وقته في تتبع أخبار الناس، ونقلها مُزينة بالزيادة والنقصان، حتى صار حديث المجالس لا يتجاوز فلاناً وعلاناً، وما فعلوا وما لم يفعلوا.
لقد علّمنا الدين الحنيف أن نترك الناس لخالقهم، وأن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب غيرنا، وأن ننشغل بعيوبنا لا بعيوب الآخرين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"، وقال أيضاً: "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم"، فكيف بمن يتحدث فيه ويخوض في عرضه؟
إن النفس البشرية بطبيعتها تضعف أمام رغبة الكلام، لكن المؤمن العاقل يكبح جماح لسانه، ويزن كلماته بميزان العقل والدين. فالعاقل يعلم أن الناس مهما قيل فيهم، فإن الله هو العالم بخفاياهم، وهو الحكم العدل الذي لا يظلم أحداً. وما أجمل أن يعيش الإنسان وهو مطمئن البال، لا يحمل في قلبه غلاً ولا في لسانه سوءاً على أحد.
ومن الحكمة أن نعرف أن كل إنسان مشغول بمعاركه الخاصة، وأحلامه، وآلامه، وطموحاته، فلا يليق بنا أن نحكم عليه أو نختصر حياته في كلمات عابرة على لسان مغتاب أو ناقل خبر. فكم من مظلوم تشوهت سمعته بالقيل والقال، وكم من بريء دُفن تحت ركام الإشاعات، وكم من صداقة أو علاقة اجتماعية تهشمت بسبب كلمة لم تُقل في موضعها الصحيح.
إن التعب الذي تشعر به النفس من هذا الضجيج ليس وهماً، بل هو إنذار داخلي بضرورة التوقف. توقف عن إهدار وقتك، وتوقف عن تحميل نفسك ذنوباً ليست لك. دع الناس لخالقها، فهو الأعلم بسرائرهم وبواطنهم، وهو من سيحاسبهم لا أنت. اجعل لسانك رطباً بذكر الله، واشغل وقتك بما ينفعك في دينك ودنياك، وستجد أن روحك قد تنفست الصعداء واطمأنت.
وفي نهاية المطاف، لا أجمل ولا أعمق من أن يخرج الإنسان من دائرة القيل والقال ليعيش في دائرة الرضا والسلام، فيُصلح نفسه، ويُحسن علاقته بربه، ويزرع الكلمة الطيبة في طريقه. فالحياة قصيرة لا تحتمل أن نهدرها في تتبع الآخرين، بل تستحق أن نستثمرها في الخير والعمل النافع.
صحيفة إضاءات الشرقية الإلكترونية